التكنولوجيا المساعدة: كيف تساهم الابتكارات الحديثة في تمكين ذوي الإعاقة؟

التكنولوجيا المساعدة: كيف تساهم الابتكارات الحديثة في تمكين ذوي الإعاقة؟

 إنسان مختلف بذات القوة:

نافذة على عالم من الإمكانيات

تخيل عالماً لا تقف فيه الحواجز المادية عائقاً أمام الطموح. حيث يصبح الصوت أداة للكتابة وحركة العين مفتاحاً للتحكم والفكر قوة لتحريك المستحيل. هذا العالم ليس ضرباً من الخيال العلمي بل هو الواقع الذي تصنعه التكنولوجيا المساعدة اليوم. في قلب فئة "إنسان مختلف... بذات القوة" تكمن حقيقة أن الاختلاف الجسدي لا يقلل من جوهر القوة الإنسانية. هذه الابتكارات لا تغير حياة الأفراد فحسب بل تعيد تعريف معنى القدرة والإنجاز وتطلق العنان لإمكانيات كانت حبيسة القيود.

التكنولوجيا المساعدة كيف تساهم الابتكارات الحديثة في تمكين ذوي الإعاقة؟
التكنولوجيا المساعدة كيف تساهم الابتكارات الحديثة في تمكين ذوي الإعاقة؟

أ / من الأدوات البسيطة إلى الأنظمة الذكية: بانوراما الابتكارات المساعدة:

إن فهم التأثير العميق للابتكارات الحديثة يبدأ من تعريف جوهرها. تعرف منظمة الصحة العالمية (WHO) التكنولوجيا المساعدة بأنها أي منتج أو نظام أو خدمة تهدف إلى الحفاظ على أداء الأفراد ذوي الإعاقة أو تحسينه ومن ثم تعزيز رفاهيتهم واستقلاليتهم. هذا التعريف الواسع يشمل طيفاً هائلاً من الأدوات. بدءاً من الحلول البسيطة التي نستخدمها يومياً كالنظارات الطبية ومكبرات القراءة وصولاً إلى الأنظمة الرقمية المعقدة مثل برامج التعرف على الكلام والأطراف الاصطناعية الروبوتية التي تندمج مع الجسد البشري. إنها جسر يربط بين القدرة والرغبة.  

ابتكارات تعيد رسم حدود الحركة والتنقل

لطالما كانت القدرة على الحركة المستقلة أحد أكبر التحديات التي تواجه ذوي الإعاقات الجسدية. لكن اليوم تشهد أدوات التنقل ثورة حقيقية.

الكراسي المتحركة الذكية لم تعد مجرد مقاعد بعجلات بل أصبحت أنظمة تنقل متطورة. يمكن الآن التحكم في بعض الكراسي الكهربائية عبر الأوامر الصوتية أو حركة الرأس أو حتى حركة العين مما يمنح استقلالية كاملة لمن يعانون من شلل رباعي. وتستمر الابتكارات في التقدم بخطى مذهلة، حيث تظهر تصاميم ثورية مثل كرسي "Phoenix i" القادر على توزيع الوزن بشكل تلقائي وذكي، مما يعزز توازن المستخدم ويوفر له راحة فائقة أثناء الاستخدام. كما أن هناك نماذج تجريبية تستخدم طائرات مسيّرة (Drones) لمسح الطريق أمامها وتأمين عبور الشوارع بشكل مستقل وآمن. ولا يمكن تجاهل الدور البارز الذي يلعبه المخترع البارالمبي روري كوبر، الذي ساهم في تطوير تقنيات مساعدة رائدة عبر أكثر من 25 براءة اختراع، من أبرزها الكراسي المتحركة المتقدمة التي تعكس رؤيته في تحسين جودة حياة الأشخاص ذوي الإعاقة.  

أما الأطراف الصناعية الذكية فقد قفزت قفزة هائلة من كونها مجرد بدائل تجميلية إلى أجزاء بيونية (Bionic) شبه حية. تستطيع الأطراف الحديثة الآن استقبال الإشارات العصبية مباشرة من دماغ المستخدم مما يسمح بالتحكم فيها كما لو كانت طرفاً طبيعياً. وتدمج هذه الأطراف مستشعرات متقدمة تنقل الأحاسيس مثل ملمس الأشياء أو درجة حرارتها. وتُعد الأطراف الاصطناعية الذكية مثل "Touch Bionic" و"Bebionic" من النماذج الرائدة في هذا المجال، إذ تتيح للمستخدمين تنفيذ مجموعة متنوعة من الحركات الدقيقة والمعقدة، والتي قد تصل إلى أكثر من 32 حركة مختلفة، مما يضيف بعدًا جديدًا للقدرة على التحكم والتفاعل. تلعب تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد دورًا جوهريًا في تطوير حلول مخصصة، إذ تتيح إمكانية تصنيع أطراف اصطناعية مفصلة خصيصًا لكل مستخدم، مع تقليل التكاليف وزيادة الدقة، ما يجعل هذه التقنيات أكثر إتاحة وشمولاً. أما الأشخاص الذين يواجهون صعوبات حركية شديدة، فتتوفر لهم حلول مبتكرة تهدف إلى تمكينهم من استخدام التكنولوجيا والأدوات اليومية بطريقة أكثر استقلالية وسهولة.  

الهياكل الخارجية (Exoskeletons) مثل "Ekso GT" لتمكين مرضى السكتة الدماغية وإصابات الحبل الشوكي من الوقوف والمشي مجدداً.  

أدوات تطلق العنان للتواصل والتعبير

التواصل هو جوهر التجربة الإنسانية. وقد عملت التكنولوجيا على هدم جدران الصمت والعزلة التي قد تفرضها بعض الإعاقات.

تُعتبر تقنيات تحويل النص إلى كلام (TTS) وتحويل الكلام إلى نص (Speech-to-Text) من أبرز الابتكارات التي أحدثت فرقًا حقيقيًا، إذ تُستخدم على نطاق واسع لتسهيل التواصل والوصول إلى المعلومات لذوي الإعاقات البصرية والسمعية. الأولى تمكّن ذوي الإعاقات البصرية أو الذين يعانون من صعوبات في القراءة مثل عسر القراءة من الاستماع إلى أي محتوى مكتوب بصوت طبيعي. والثانية تتيح لأي شخص تحويل أفكاره المنطوقة إلى نص مكتوب بمجرد التحدث إلى جهازه مما يفتح آفاقاً للكتابة والإبداع لمن يجدون صعوبة في استخدام لوحة المفاتيح.  

ولخدمة مجتمع الصم والبكم ظهرت تطبيقات لغة الإشارة المبتكرة. تطبيقات مثل "Hand Talk Translator" وتطبيق "الترجمان" العربي تستخدم شخصيات افتراضية ثلاثية الأبعاد لترجمة النصوص أو الكلام المنطوق إلى لغة إشارة مرئية في الوقت الفعلي. وتوجد مشاريع أكثر طموحاً تستخدم الكاميرا والذكاء الاصطناعي لتحليل حركات لغة الإشارة التي يقوم بها الشخص الأصم وترجمتها إلى كلام مسموع مما يسهل التواصل المباشر مع أي شخص.  

تقنيات تعزز الإدراك الحسي

تتجاوز التكنولوجيا المساعدة الحركة والتواصل لتعزز الحواس نفسها.

بالنسبة للإعاقات البصرية أحدثت شاشات برايل القابلة للتحديث ولوحات المفاتيح المتوافقة معها ثورة في الوصول إلى العالم الرقمي. وتتوفر برامج متخصصة مثل "Super Nova" و"ZoomText" تقوم بتكبير المحتوى المعروض على الشاشة بدرجات كبيرة، ما يسهم في تسهيل التصفح والقراءة للأشخاص الذين يعانون من ضعف البصر. أما العصا الذكية "WeWalk" فتستخدم مستشعرات فوق صوتية تهتز لتحذير المستخدم من العوائق التي تكون على مستوى الرأس أو الصدر والتي قد لا تكتشفها العصا البيضاء التقليدية.  

أما للأشخاص ذوي الإعاقات السمعية، فقد ساعد التطور الكبير في تكنولوجيا السماعات الطبية على تحسين تجربة السمع، حيث باتت هذه الأجهزة تتكامل بسهولة مع الهواتف الذكية، مما يمنح المستخدمين قدرة أكبر على التحكم في الإعدادات والتفاعل مع محيطهم. وتوفر أنظمة إلغاء الضوضاء مثل "PCX 550" القدرة على التركيز على صوت معين في البيئات المزدحمة. كما أن خدمة  

التعليق التحريري الفوري (Live Captioning) التي تقدمها شركات مثل جوجل قادرة على تحويل أي صوت في البيئة المحيطة أو من مقاطع الفيديو إلى نص مكتوب يظهر على شاشة الهاتف فوراً مما يفتح عالم الترفيه والمعلومات.  

من المثير للاهتمام أن العديد من التقنيات التي نعتبرها اليوم جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية مثل المساعدين الصوتيين (Siri و Alexa) والكتب الصوتية وحتى المصاصات القابلة للثني قد تم تطويرها في الأصل لتلبية احتياجات ذوي الإعاقة. هذا الاتجاه الذي يمكن تسميته بـ "أنسنة" أو "تعميم"  

التكنولوجيا المساعدة يخلق دورة تطوير إيجابية. وعندما تبدأ الشركات الكبرى في تبني هذه التقنيات وتستثمر في تطويرها وجعلها أكثر كفاءة وأقل تكلفة، فإن النتيجة النهائية تكون عودة هذه الابتكارات إلى مجتمع ذوي الإعاقة على شكل أدوات قوية وعملية، تسهل حياتهم وتمنحهم فرصاً جديدة. والأهم من ذلك أن هذا التعميم يقلل من الوصمة المرتبطة باستخدام هذه الأدوات فلم تعد "أجهزة للمعاقين" بل أصبحت "أدوات للجميع".  

لقد استعرضنا لمحة سريعة عن هذا العالم المذهل. أي من هذه الابتكارات أثار إعجابك أكثر؟ شاركنا رأيك في التعليقات أدناه!

ب / العقل المدبر للتمكين: دور الذكاء الاصطناعي والمنازل الذكية:

إذا كانت الأجهزة السابقة تمثل الأدوات الفردية للتمكين فإن الذكاء الاصطناعي (AI) والمنزل الذكي (Smart Home) يمثلان العقل المدبر والبيئة المتكاملة التي ترفع هذا التمكين إلى مستوى جديد كلياً. إنهما يمثلان تحولاً نموذجياً من امتلاك "أجهزة مساعدة" إلى العيش داخل "بيئة مساعدة" تتكيف وتستجيب لاحتياجات الفرد.

الذكاء الاصطناعي: القوة الخفية وراء الابتكار

الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تطبيق منفصل بل هو المحرك الأساسي الذي يمنح الجيل الجديد من التكنولوجيا المساعدة قدراتها المتقدمة. إنه القوة الخفية التي تمكن الأجهزة من الرؤية والفهم والتعلم.  

  • الرؤية الحاسوبية (Computer Vision): هي التي تسمح للنظارات الذكية بالتعرف على وجوه الأصدقاء أو قراءة النصوص على لافتات الشوارع مما يساعد المستخدمين ذوي الإعاقة البصرية في التفاعلات الاجتماعية والتنقل.
  • التعلم الآلي (Machine Learning): هو الذي يمكّن الأطراف الصناعية الذكية من تحليل الإشارات الدقيقة من دماغ المستخدم وعضلاته لترجمتها إلى حركة دقيقة وطبيعية. وهو أيضاً ما يسمح للبرامج بتحليل حركات اليد المعقدة وترجمتها من لغة الإشارة إلى كلام مسموع.
  • معالجة اللغة الطبيعية (NLP): هذه التقنية هي المسؤولة عن جعل أنظمة تحويل النص إلى كلام (TTS) تبدو طبيعية ومعبرة كصوت الإنسان الحقيقي. كما أنها تمكّن المساعدين الصوتيين من فهم الأوامر المعقدة وتنفيذها بدقة.
  • التشخيص والمراقبة: يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الصحية للمساعدة في الكشف المبكر عن بعض الحالات الطبية ومراقبة تطورها مما يتيح التدخل في الوقت المناسب.

المنزل الذكي: بيئة متكاملة للاستقلالية والأمان

المنزل الذكي هو التطبيق العملي لكل هذه التقنيات مجتمعة. إنه نظام بيئي متكامل يعتمد على إنترنت الأشياء (IoT) حيث تتواصل جميع الأجهزة في المنزل مع بعضها البعض ومع المستخدم لتوفير بيئة معيشية آمنة ومستقلة.  

فبدلاً من مجموعة من الأدوات المنفصلة يصبح المنزل بأكمله هو الجهاز المساعد. لم يعد الشخص بحاجة إلى النهوض لفتح الباب أو إطفاء الأنوار. فبأمر صوتي واحد يمكنه فتح القفل الذكي للباب وتشغيل الإضاءة في الردهة وتعديل درجة حرارة الغرفة وتشغيل موسيقاه المفضلة. هذا المستوى من الأتمتة يقلل من الاعتماد على الآخرين بشكل كبير ويعزز الشعور بالسيطرة والكرامة.  

إلى جانب الاستقلالية يوفر المنزل الذكي مستوى غير مسبوق من الأمان. تشمل أنظمة الأمان الحديثة حلولًا ذكية مثل الكاميرات المزودة بتقنية التعرف على الوجوه، وأجهزة استشعار متطورة للكشف عن الحركة، والحرائق، وتسربات الغاز، حيث تقوم بإرسال إشعارات فورية إلى هواتف المستخدمين أو مقدمي الرعاية عند حدوث أي طارئ، ما يوفر طبقة أمان إضافية لذوي الاحتياجات الخاصة. هذه التقنيات مفيدة بشكل خاص لكبار السن الذين يعيشون بمفردهم حيث تساعد في مراقبة صحتهم عبر أجهزة قابلة للارتداء وتذكيرهم بمواعيد الأدوية وتوفير اتصال سهل ومستمر مع العائلة لمكافحة الشعور بالعزلة.  

هذا التحول من الاعتماد على أجهزة فردية إلى بيئات متكاملة وذكية يمثل قفزة نوعية في مفهوم تمكين ذوي الإعاقة. إنه ينقل الاستقلالية من مجرد القدرة على أداء مهام محددة إلى القدرة على التحكم الكامل في مساحة المعيشة الخاصة بالفرد مما يوفر مستوى أعمق وأشمل من الحرية.

ج / كسر حواجز التعليم والعمل: التكنولوجيا كبوابة للفرص

إن الأثر الحقيقي للتكنولوجيا المساعدة يتجاوز تحسين الحياة اليومية ليصل إلى جوهر التنمية البشرية والاجتماعية: التعليم والعمل. من خلال توفير الأدوات المناسبة تفتح التكنولوجيا أبواباً كانت موصدة في وجه الكثيرين مما يمكنهم من تحقيق إمكاناتهم الكاملة والمساهمة بفعالية في مجتمعاتهم.

ثورة في الفصول الدراسية: نحو تعليم شامل

لقد أحدثت التكنولوجيا تحولاً جذرياً في مفهوم التعليم الشامل.

  • النفاذ إلى المحتوى التعليمي: بفضل برامج قراءة الشاشة مثل JAWS و NVDA وأجهزة برايل الإلكترونية أصبح بإمكان الطلاب ذوي الإعاقة البصرية الوصول إلى المناهج والكتب الرقمية بنفس سرعة زملائهم المبصرين. وتعمل منصات عالمية مثل "Access Infinity" بالتعاون مع منظمات دولية لتوفير ملايين الكتب بأنساق ميسرة للطلاب في البلدان النامية.
  • منصات تعليمية متخصصة: يشهد العالم العربي بزوغ نجم منصات تعليمية مصممة خصيصاً لتلبية احتياجات ذوي الإعاقة. منصة "إتقـدم" على سبيل المثال توفر محتوى متخصصاً وأدوات تقييم وفصولاً افتراضية لدعم ذوي التوحد وصعوبات التعلم. بينما تركز منصة "تميم وريم" على تقديم تجربة تعليمية مبتكرة للأطفال الصم باستخدام لغة الإشارة والمحتوى التفاعلي. وتعمل منصات شاملة مثل "حياة" و "مدد" كبوابات معرفية توفر دورات تدريبية ومصادر متنوعة لمختلف أنواع الإعاقات.
  • أدوات تعلم تفاعلية: تساهم التطبيقات التعليمية مثل "Kahoot!" في جعل عملية التعلم أكثر متعة وتفاعلية مما يساعد الطلاب الذين يعانون من تشتت الانتباه على التركيز والمشاركة بفعالية. كما تساعد البرمجيات التعليمية المتخصصة في تنمية المهارات المعرفية والحركية لدى الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية بطرق تتناسب مع قدراتهم.

تمكين القوى العاملة: من الاستقلالية إلى الإنتاجية

إن الاستثمار في تعليم ذوي الإعاقة يؤتي ثماره مباشرة في سوق العمل. فالطالب الذي يحصل على تعليم جيد اليوم هو الموظف المنتج والمبتكر غداً.

  • التأهيل والتدريب: لم يعد الكمبيوتر مجرد أداة ترفيهية بل أصبح وسيلة فعالة لتأهيل وتدريب الأفراد على مهارات عملية مطلوبة في سوق العمل مثل الأعمال المكتبية والسكرتارية مما يحولهم من عناصر معالة إلى عناصر منتجة في المجتمع.
  • تجاوز الحواجز المادية: تتيح التقنيات الحديثة فرص عمل لم تكن ممكنة في السابق. في تجربة فريدة في اليابان تمكّن أشخاص يعانون من إعاقات حركية شديدة من العمل كنادلين في مقهى وهم في منازلهم وذلك عبر التحكم عن بعد في روبوتات تقوم بخدمة الزبائن.
  • أدوات عمل ميسرة: أصبحت برامج العمل اليومية أكثر شمولية. توفر خاصية التعليقات التوضيحية المباشرة في برامج مثل Microsoft PowerPoint فرصة حقيقية للأشخاص الصم للمشاركة بفعالية في الاجتماعات والعروض التقديمية، حيث تتيح لهم متابعة الحديث المكتوب لحظة بلحظة دون الحاجة إلى مترجم فوري.

هذا التمكين لا يعود بالنفع على الفرد وأسرته فحسب بل يمثل استثماراً استراتيجياً للدولة. وعندما يتم تمكين الأفراد من ذوي الإعاقة ليصبحوا مساهمين فاعلين في سوق العمل والاقتصاد، فإن ذلك لا يُقلل فقط من الضغط على أنظمة الرعاية الاجتماعية، بل يساهم أيضًا في تعزيز الإنتاجية الوطنية وزيادة الناتج المحلي الإجمالي. إن دمج ذوي الإعاقة في سوق العمل ليس مجرد عمل خيري بل هو مكون أساسي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تنادي بنمو اقتصادي شامل لا يترك أحداً خلف الركب.  

د / تحديات الحاضر وآفاق المستقبل: نحو شمولية كاملة:

على الرغم من التقدم الهائل والمبشر الذي حققته التكنولوجيا المساعدة لا يزال الطريق نحو الشمولية الكاملة محفوفاً بالتحديات. إن الاعتراف بهذه العقبات هو الخطوة الأولى نحو تجاوزها وبناء مستقبل تكون فيه هذه الابتكارات متاحة للجميع دون استثناء.

عقبات على طريق التمكين

تكمن المفارقة الكبرى في أن التقدم التكنولوجي يتسارع بوتيرة مذهلة بينما لا يزال الوصول إلى أبسط الأدوات المساعدة حلماً بعيد المنال لمليارات الأشخاص حول العالم.

  • فجوة الوصول العالمية: تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 5 مليار شخص حول العالم يحتاجون إلى منتج مساعد واحد على الأقل وأن الغالبية العظمى منهم لا يستطيعون الحصول عليه. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 3.5 مليار شخص بحلول عام 2050 مع شيخوخة سكان العالم وارتفاع معدلات الأمراض غير السارية. هذه الفجوة ليست ثابتة بل إنها تتسع في بعض أقل البلدان نمواً.
  • التكلفة الباهظة: لا تزال العديد من التقنيات المتقدمة مثل الأطراف الصناعية الذكية أو الكراسي المتحركة المتطورة باهظة الثمن مما يجعلها حكراً على قلة محظوظة في البلدان المتقدمة.
  • نقص الوعي والتدريب: حتى عند توفر التكنولوجيا يمثل نقص الوعي بكيفية استخدامها بفعالية عائقاً كبيراً. هناك حاجة ملحة لتدريب المستخدمين وأسرهم ومقدمي الرعاية على استغلال الإمكانات الكاملة لهذه الأدوات. كما يجب العمل على مكافحة أي وصمة اجتماعية قد ترتبط باستخدامها.
  • التحيز الخوارزمي: مع الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي يظهر تحدٍ جديد. إذا لم يتم تدريب الخوارزميات على مجموعات بيانات متنوعة وشاملة فإنها قد تكرر بل وتضخم التحيزات البشرية والنظامية الموجودة مسبقاً مما قد يؤدي إلى نتائج تمييزية ضد فئات معينة.

آفاق المستقبل: ما الذي يحمله الغد؟

إن النظر إلى المستقبل يبعث على التفاؤل حيث تبشر التقنيات الناشئة بكسر حواجز كان يُعتقد أنها مستحيلة.

  • واجهات الدماغ والحاسوب (BCI): هي تقنية ثورية تهدف إلى إنشاء اتصال مباشر بين الدماغ البشري والأجهزة الرقمية. هذا يعني إمكانية التحكم في كرسي متحرك أو طرف صناعي أو حتى كتابة رسالة بمجرد التفكير في ذلك مما يوفر أملاً جديداً للأشخاص الذين يعانون من شلل كامل أو متلازمة المنحبس.
  • الروبوتات الذكية وتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد تمثل مستقبل الدعم التقني، إذ ستشهد الروبوتات تطورًا ملحوظًا في قدرتها على تقديم الدعم البدني والمرافقة وحتى المساعدة في برامج إعادة التأهيل بطريقة شخصية وإنسانية. في المقابل، ستواصل تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد إحداث تحول جذري في كيفية إنتاج الأجهزة المساعدة، حيث ستُنتج بطريقة مخصصة لكل مستخدم، بتكلفة أقل، وبسرعة أعلى، مما يُسرّع من حصول الأشخاص على الأدوات التي يحتاجونها.
  • الذكاء الاصطناعي التنبؤي: تعمل الشركات على تطوير أطراف صناعية قادرة على "التعلم" والتنبؤ بالحركة التالية التي ينوي المستخدم القيام بها مما يجعل استجابتها أكثر سلاسة وطبيعية وكأنها جزء لا يتجزأ من الجسم.

إن التحدي الأكبر للمستقبل ليس فقط "ماذا يمكننا أن نخترع؟" بل "كيف يمكننا أن نوزع ما اخترعناه بالفعل بشكل عادل وفعال؟". يتطلب هذا تحولاً في التركيز من مجرد الاحتفاء بالابتكارات التقنية الفائقة إلى معالجة التحديات النظامية من تكلفة وتوزيع وتدريب وسياسات. إن المستقبل الحقيقي للتمكين يكمن في سد فجوة الوصول وضمان أن ثمار التقدم التكنولوجي تصل إلى كل من يحتاجها.

هـ / الخاتمة: الإرادة تصنع المستحيل.. والتكنولوجيا هي الأداة:

في نهاية هذه الرحلة عبر عالم الابتكارات المذهل تتجلى حقيقة واضحة: التكنولوجيا المساعدة ليست حلاً سحرياً بل هي أداة قوية توضع في أيدي أصحاب الإرادة والعزيمة. لقد رأينا كيف حولت هذه الابتكارات التحديات إلى فرص وفتحت أبواب التعليم والعمل وعززت الاستقلالية والكرامة الإنسانية. من الكراسي الذكية التي تتحدى الجاذبية إلى الأطراف التي تستجيب للفكر والمنازل التي تتكيف مع ساكنيها. كل هذه التقنيات تعمل على تمكين "إنسان مختلف" ليُظهر للعالم أنه يمتلك "ذات القوة" والطموح والإمكانات. إنها شهادة على أن العائق الحقيقي ليس في الجسد بل في غياب الأدوات التي تطلق العنان للروح.  

إن رحلة تمكين ذوي الإعاقة هي مسؤولية مجتمعية مشتركة. نود أن نسمع منك: ما هي القصص أو التجارب التي تعرفها عن دور التكنولوجيا في تغيير حياة شخص ما؟ شاركنا بها في التعليقات وكن جزءاً من هذا الحوار الملهم.

هل لديك استفسار أو رأي؟

يسعدنا دائمًا تواصلك معنا!

يمكنك إرسال ملاحظاتك أو أسئلتك عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال البريد الإلكتروني الخاص بنا، وسنكون سعداء بالرد عليك في أقرب وقت.



 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال