دور الحيوانات الأليفة في تحسين صحة وسعادة كبار السن

دور الحيوانات الأليفة في تحسين صحة وسعادة كبار السن

وعي العمر المتقدم:

مع تقدمنا في العمر، نكتسب الحكمة والخبرة، لكن قد نواجه أيضاً تحديات جديدة مثل التقاعد وفقدان الأحبة وتغير الروتين اليومي. في خضم هذه التغيرات، يبرز شبح الوحدة كأحد أكبر المخاطر الصحية الصامتة. لكن، ماذا لو كان الحل يكمن في رفقة كائن بسيط لا يطلب سوى الحب والاهتمام؟

إن وجود الحيوانات الأليفة في حياة كبار السن ليس مجرد مصدر للتسلية، بل هو وصفة فعالة لتعزيز الصحة النفسية والجسدية، وإعادة إشعال شعلة السعادة والهدف في سنوات العمر الذهبية.

دور الحيوانات الأليفة في تحسين صحة وسعادة كبار السن
دور الحيوانات الأليفة في تحسين صحة وسعادة كبار السن

أ/ وباء الوحدة الصامت: الخطر الخفي على صحة كبار السن:

تُعد الوحدة والعزلة الاجتماعية من أخطر التحديات التي تواجه كبار السن في مجتمعاتنا المعاصرة. هي ليست مجرد شعور عابر بالحزن، بل حالة صحية خطيرة لها تداعيات جسدية ونفسية عميقة.

كما تشير الإحصائيات العالمية إلى أن ما يقرب من 1 من كل 5 من كبار السن في بعض الدول يعانون من الشعور بالوحدة ، وهو ما وصفه الخبراء بـ "وباء الوحدة". إن خطورة هذا الوباء الصامت تعادل، من الناحية الصحية، أضرار تدخين 15 سيجارة يومياً.  

على الصعيد الجسدي، ترتبط العزلة الاجتماعية ارتباطاً وثيقاً بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض خطيرة، مثل ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، والسمنة، وضعف جهاز المناعة.

 وقد وجدت الأبحاث أن الشعور بالوحدة يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 29% والسكتة الدماغية بنسبة 32%. أما على الصعيد النفسي والمعرفي، فالآثار لا تقل خطورة؛ حيث تزيد الوحدة من احتمالات الإصابة بالقلق والاكتئاب، وتُسرّع من وتيرة التدهور المعرفي.

 وقد أظهرت دراسات متقدمة أن كبار السن الأكثر عزلة يواجهون خطراً أكبر لضمور الدماغ، خاصة في المناطق المرتبطة بالذاكرة ومرض الزهايمر مثل الحُصين.  

كما يمكن للأسر ومقدمي الرعاية ملاحظة علامات المعاناة من الوحدة لدى كبار السن، والتي تشمل الانسحاب الاجتماعي المفاجئ، وتغيرات في عادات الأكل، وفقدان الاهتمام بالهوايات التي كانت ممتعة سابقاً، والشعور بالإرهاق من المهام البسيطة.

 إن فهم هذه المخاطر هو الخطوة الأولى نحو إدراك الحاجة الماسة لحلول فعالة ومستدامة، وهنا يأتي دورالحيوانات الأليفة كعلاج غير دوائي فعال.

ب/ الرفيق الوفي: كيف تساهم الحيوانات الأليفة في تعزيز الصحة الجسدية والنفسية؟

تقدم الحيوانات الأليفة حلاً شمولياً لمواجهة الآثار السلبية للوحدة، حيث تعمل كجرعة يومية من الدعم النفسي والتحفيز الجسدي. إنها "وصفة طبية" طبيعية تعزز صحة كبار السن على مستويات متعددة.

أولاً: تعمل هذه الكائنات كمرساة عاطفية قوية. يعمل الحب غير المشروط والرفقة الدائمة للحيوان الأليف على ملء الفراغ العاطفي وتقليل الشعور بالوحدة والقلق بشكل مباشر.

اقرأ ايضا : أهمية الضحك والمرح في حياة كبار السن: تعزيز الصحة والسعادة

على المستوى البيوكيميائي، ثبت علمياً أن التفاعل الجسدي مع الحيوانات، مثل ملاعبة قطة أو كلب، يحفز إفراز هرمونات السعادة في الدماغ مثل الأوكسيتوسين (هرمون الحب) والإندورفين، مما يقلل من مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول) ويعزز الشعور بالهدوء والارتباط.

 علاوة على ذلك، فإن تحمل مسؤولية كائن حي آخر يمنح كبار السن إحساساً متجدداً بالهدف والهيكلية في يومهم، وهو أمر حيوي للحفاظ على  

الصحة النفسية، خاصة بعد التقاعد أو فقدان الشريك. هذه المسؤولية ليست عبئاً، بل هي دافع قوي يوقظ الشعور بأن هناك من يحتاج إليهم، وهو شعور إنساني أساسي يعيد الحيوية للحياة.  

ثانياً: للحيوانات الأليفة تأثير إيجابي ملموس على الصحة الجسدية. مجرد التفاعل الهادئ مع حيوان أليف يمكن أن يساهم في خفض ضغط الدم وتحسين صحة القلب والأوعية الدموية.

 كما أنها تشجع على النشاط البدني، فالخروج في نزهة منتظمة مع كلب يوفر تمريناً معتدلاً ومستمراً يحافظ على مرونة المفاصل وقوة العضلات.

 حتى أن بعض الأبحاث تشير إلى أن وجود حيوان أليف قد يساعد في إدارة الألم المزمن، حيث يعمل إطلاق الإندورفين كمسكن طبيعي للألم، كما أن وجود الرفيق المبهج يصرف الانتباه عن الشعور بالألم.  

أخيراً، تعمل الحيوانات الأليفة كدرع واقٍ للعقل. فقد كشفت دراسات مهمة أن امتلاك حيوان أليف يمكن أن يبطئ من معدل التدهور المعرفي، خاصة لدى كبار السن الذين يعيشون بمفردهم.

 ووجدت هذه الدراسات أن الانخفاض في الذاكرة اللفظية والطلاقة اللغوية كان أبطأ بشكل ملحوظ لدى أصحاب الحيوانات الأليفة، مما يشير إلى أن الرفقة الحيوانية قد تعوض عن نقص التحفيز الذهني المرتبط بالعيش منفرداً.

 إن رعاية حيوان أليف تتطلب تحفيزًا ذهنيًا مستمرًا، من تنظيم مواعيد الطعام إلى تدريبه، مما ينشط الدماغ ويساعد في تكوين احتياطي معرفي لمواجهة تحديات التقدم في العمر.  

ج/ كسر جدران العزلة: الحيوانات الأليفة كجسر للتواصل الاجتماعي:

لا يقتصر دور الحيوانات الأليفة على تقديم الرفقة داخل المنزل فحسب، بل يتعداه ليكون بمثابة حافز قوي يعيد دمج كبار السن في نسيجهم الاجتماعي ويكسر جدران العزلة الاجتماعية. تعمل هذه الكائنات كـ "محفزات اجتماعية" طبيعية، تفتح أبواباً للتواصل كانت مغلقة.

إن أبسط الأنشطة، مثل تمشية كلب في حديقة الحي أو زيارة الطبيب البيطري، تخلق فرصاً عفوية لبدء محادثات مع الآخرين. يصبح الحيوان الأليف نقطة اهتمام مشتركة وموضوعاً سهلاً لكسر الجليد، مما يسهل على كبار السن تكوين معارف جديدة في مجتمعاتهم المحلية.

هذا التأثير لا يقتصر على التفاعلات العابرة، بل يمكن أن يتطور إلى صداقات حقيقية وشعور بالانتماء لمجتمع أوسع من محبي الحيوانات، سواء عبر مجموعات المشي أو المنتديات عبر الإنترنت.  

من خلال هذه التفاعلات، يستعيد كبير السن دوراً اجتماعياً إيجابياً. بدلاً من أن يظل مجرد شخص مسن غير ملحوظ في الحي، يتحول إلى "جارنا الذي يمتلك الكلب الودود" أو "السيدة التي تعتني بالقطط الجميلة". هذا الهوية الاجتماعية الجديدة تعيد له الشعور بالتقدير والمكانة في مجتمعه.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحيوانات الأليفة أن تعزز الروابط الأسرية وتقوي العلاقات بين الأجيال. قد يصبح الحيوان الأليف سبباً إضافياً ومحبباً لزيارة الأحفاد لأجدادهم، مما يخلق لحظات من الفرح والتفاعل المشترك. إن الاهتمام المشترك بالحيوان يوفر موضوعاً جديداً وممتعاً للنقاش، ويحول الزيارات العائلية إلى تجارب أكثر حيوية وتفاعلية.  

د/ الاختيار الأمثل: نصائح عملية لاقتناء حيوان أليف مناسب لكبار السن:

إن قرار إحضار حيوان أليف إلى المنزل هو التزام كبير يتطلب تفكيراً متأنياً لضمان علاقة سعيدة ومستدامة لكل من كبير السن والحيوان. يجب أن يتم الاختيار بناءً على تقييم واقعي لنمط حياة كبير السن وقدراته الجسدية والمالية وبيئته السكنية.  

 تقييم نمط الحياة والقدرات:

  • مستوى الطاقة: هل يفضل كبير السن الهدوء والاسترخاء أم لا يزال يتمتع بالنشاط؟ الكلاب الصغيرة منخفضة الطاقة مثل "البج" أو "كافاليير كينج تشارلز سبانييل" قد تكون مناسبة، بينما تحتاج سلالات أخرى إلى نشاط أكبر.  
  • القدرة على الرعاية: هل يستطيع كبير السن الانحناء لتنظيف صندوق الفضلات أو الخروج في نزهات منتظمة؟ إذا كانت الحركة محدودة، فقد تكون القطط المستقلة أو الطيور أو حتى حوض السمك خيارات أفضل.  
  • الوضع المالي: يجب الأخذ في الاعتبار تكاليف الطعام، والمستلزمات، والرعاية البيطرية الدورية والطارئة.  

 معرفة الخيارات المتاحة:

  • الكلاب والقطط: هي الخيارات الأكثر شيوعاً لما توفره من تفاعل عاطفي مباشر. القطط بشكل عام أكثر استقلالية وتناسب المساحات الصغيرة.  
  • الطيور والأسماك: تعتبر خيارات ممتازة لمن يعانون من صعوبات في الحركة. صوت تغريد العصافير أو منظر الأسماك الهادئ له تأثير علاجي كبير دون الحاجة إلى مجهود بدني.  

 حكمة تبني حيوان أليف كبير في السن: هناك خيار غالباً ما يتم تجاهله ولكنه قد يكون الأنسب: تبني حيوان أليف متقدم في العمر. هذا الخيار يحمل في طياته حكمة وعملاً إنسانياً نبيلاً.

 فالحيوانات الأكبر سناً تكون عادة أكثر هدوءاً، واحتياجاتها من الطاقة أقل، وغالباً ما تكون مدربة بالفعل على استخدام الحمام. شخصيتها تكون قد نضجت، مما يعني أنك تعرف تماماً طبع الرفيق الذي ستجلبه إلى منزلك.  

إنها علاقة "إنقاذ متبادل": فالشخص المسن ينقذ الحيوان من الوحدة في الملجأ، بينما يحمي الحيوان صاحبه من العزلة ومخاطرها الصحية. إن منح كائن حي فرصة ليعيش سنواته الأخيرة في دفء وحب هو عمل يتماشى مع قيم الرحمة التي تحث عليها شريعتنا الإسلامية.  

هـ/ وفي الختام: دعوة للرفقة والرحمة:

لقد أثبتت الأدلة العلمية والتجارب الإنسانية أن الوحدة ليست قدراً محتوماً لكبار السن، بل هي تحدٍ يمكن مواجهته بفعالية. إن رفقة الحيوانات الأليفة تقدم حلاً بسيطاً وعميقاً، يعزز الصحة الجسدية، ويحمي القدرات العقلية، ويشعل فتيل السعادة والتفاعل الاجتماعي.

 إنها علاقة مميزة من استقبلوا رفيقًا مخلصًا في بيوتكم وقلوبكم، وشاركوا معنا في التعليقات: هل سبق لكم التفكير في اقتناء حيوان أليف؟ وما هي تجاربكم أو ندعوكم، سواء كنتم من كبار السن أو من أفراد أسرهم، إلى التفكير في هذه الإمكانية كجزء أساسي من خطة العيش بصحة وسعادة في مرحلة العمر المتقدم.

افتحوا قلوبكم وبيوتكم لرفيق وفيّ، وشاركونا في التعليقات، هل فكرتم من قبل في اقتناء حيوان أليف؟ وما هي تجاربكم أو مخاوفكم؟ قد يلهم تبادلنا للخبرات والمعرفة الآخرين ويثري تجاربهم لاتخاذ هذه الخطوة المباركة.

اقرأ ايضا : كيف تتعامل مع آلام المفاصل والتهابها في مرحلة الشيخوخة؟ دليلك الشامل لحياة أكثر نشاطًا

هل لديك استفسار أو رأي؟

يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! إذا كانت لديك أسئلة أو ملاحظات، يمكنك التواصل معنا عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال بريدنا الإلكتروني، وسنحرص على الرد عليك في أقرب فرصة ممكنة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

منصة دوراتك اسستخدم كود D1 واحصل على خصم اضافي15%

نموذج الاتصال